قال الله تعالى : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }آل عمران159
قال الواحدي : الفظ : الغليظ الجانب السيء الخُلُق ، وأصله فظظ وأما الفض بالضاد فهو تفريق الشيء ، وأنفض القوم تفرقوا ؛ قال الله تعالى : {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }الجمعة11
ومنه فضضت الكتاب ويقال أيضا للمتحدث إذا كان كلامه حسنا جميلا : لا فض الله فاك ، أو لا فض فوك.
فالفظ بالظاء : سيء الخلق
والفض بالضاد : تفريق الشيء
وأما غليظ القلب : فهو الذي لا يتأثر قلبه عن شيء ، فقد لا يكون الانسان سيء الخلق ولا يؤذي أحدا ولكنه لا يرق لهم ولا يرحمهم .
ماهي العلاقة بين الفظ غليظ القلب وبين الإنفضاض والتفرق وعدم الإجتماع حول النبي صلى الله عليه وآله ؟
أجيب عن هذا السؤال : بأن المقصود من البعثة أن يُبلِّغ الرسول صلى الله عليه وآله تكاليف الله الى الخلق .
ولكن هذا الجواب غير تام ألا إذا مالت إليه قلوب الناس وسكنت نفوسهم لديه ، كذلك لا يتم هذا المعنى إلا إذا كان الرسول رحيما كريما ، يتجاوز عن ذنبهم ويغفر لهم ويعفوا عن إساءاتهم ويخصهم بوجوه البر و المرحمة والشفقة ، ولهذه الأسباب وجب أن يكون الرسول صلى الله عليه وآله مبرءاً عن سوء الخًلُق ، وكما يكون كذلك وجب أن يكون غير غليظ القلب ، بل يكون كثير الميل إلى إعانة الضعفاء ، وكثير القيام بإعانة الفقراء ، وكثير الصفح عن زلاتهم ولهذا المعنى قال الله تعالى : {وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} ، ولو أنفضوا من حوله فات المقصود من البعثة والرسالة ولهذا أمره الله تعالى في ذيل الآية بأن يعفو عنهم فيما يختص بحقه صلى الله عليه وآله وأن يستغفر لهم فيما يتعلق بحق الله تعالى.
إن الآية الكريمة دلة على وجوب العفو عنهم : { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} أي العفو عن الأمة بالمعنى المذكور أعلاه ولكن لما آل الأمر الى الأمة لم يوجب الله تعالى العفو عليهم عن بعضهم البعض بقوله : {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }آل عمران134
وكيف ما كان فإن الآية المباركة : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }آل عمران159 ، تدل دلالة واضحة على أن من أهم قواعد وأصول تبليغ هذا الدين القيم ، هو التحلي بهذا الخُلُق الإلهي الرفيع ، لأن الناس في حاجة الى كنف رحيم ، والى رعاية فائقة ، والى بشاشة سمحة ، والى ود يسعهم ، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم ، في حاجة الى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم الى عطاء ، ويحمل همومهم ولا يعنيهم بهمه ، ويجدون عنده دائما الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضا ... وهكذا كان قلب محمد صلى الله عليه وآله وهكذا كانت حياته مع الناس ، ما غضب لنفسه قط ولا ضاق صدره لضعفهم البشري ، ولا احتجز لنفسه شيئا من أعراض هذه الحياة ، بل أعطاهم كل ما ملكت يداه في سماحة ندية ، ووسعهم حلمه وبره وعطفه ووده الكريم ولهذا كله قال عنه القرآن الكريم واصفا لأخلاقه العالية : {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }القلم4 ، ومن هنا يتضح أهمية ما أثنى به القرآن الكريم على سيد الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وآله . فالخلق العظيم : هو الخلق الاكرم في نوع الاخلاق ، وهو البالغ أشد الكمال المحمود في طبع الإنسان وهو أرفع من مطلق الخُلُق الحسن وأعلى منه مستوى وحقيقة .
قال الرازي : إنما وصف خلقه بأنه عظيم وذلك لانه تعالى قال له : {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ }الأنعام90
وهذا الهدى الذي أمر الله تعالى محمدا صلى الله عليه وآله الاقتداء به هو ليس معرفة الله ، لأن ذلك تقليد وهو غير لا ئق بالرسول ، وليس هو الشرائع لأن شريعته مخالفة لشرائعهم ، فتعين أن يكون المراد منه أمره عليه الصلاة والسلام بأن يقتدي بكل واحد من الأنبياء المتقدمين فيما اختص به من الخُلُق الكريم ، فكأن كل واحد منهم كان مختصا بنوع واحد من الاخلاق ، فلما أمر الله محمد صلى الله عليه وآله بأن يقتدي بالكل فكأنه أمر بمجموع ما كان متفرقا فيهم وبينهم من الأخلاق، ولما كان ذلك درجة عالية لم تتيسر لأحد من الأنبياء قبله ، لاجرم وصف الله خلقه بأنه عظيم ، وفي البيان الإلهي دقة اخرى وهي قوله : { لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } فإن كلمة على للاستعلاء فدل اللفظ على أنه مستعل على هذه الاخلاق ومستول عليها ، أنه بالنسبة الى هذه الأخلاق الجميلة كالمولى بالنسبة الى العبد وكالامير بالنسبة الى المأمور .
لقد تكرر مثل هذا الاسلوب الإستعلائي في كلامه وخطابه سبحانه وتعالى لمحمد صلى الله عليه وىله و في مقامات مختلفة فوصفه تعالى بقوله : {إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ }الحج67
وقال له : {إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ }النمل79
وقال له : {إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }الزخرف43
ولهذا كله قيل في وصف محمد صلى الله عليه وآله : يعجز كل قلم ويعجز كل تصور عن وصف قيمة هذه الكلمة العظيمة من رب العالمين ، وهي شهادة من الله ، وفي ميزان الله ، لعبد الله ، يقول فيها :
{وإنك لعلى خلق عظيم} ومدلول الخلق العظيم هو ما هو عند الله مما لا يبلغ الى إدراك مداه احد من العالمين.
ودلالة هذه الكلمة على عظمة محمد صلى الله عليه وآله تبرز من نواح شتى :
أولا ـ تبرز من كونها كلمة من الله الكبير المتعال : يسجلها ضمير الكون ، وتثبت في كيانه ، وتتردد في الملأ الاعلى الى ما شاء الله
ثانيا ـ وتبرز من جانب آخر ، من جانب إطاقة محمد صلى الله عليه وآله لتلقيها وهو يعلم من ربه هذا ، قائل هذه الكلمة ماهو ؟ ما عظمته ؟ ما دلالة كلماته ؟ ما مداها ؟ ما صداها ؟ ويعلم من هو الى جانب هذه العظمة المطلقة التي يدرك هو منها ما لا يدركه احد من العالمين . وحين سئلت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وآله قالت : إن خلقه القرآن ، ولما كان القرآن عظيما كما جاء في قوله تعالى :
{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ }الحجر87 ، يثبت أنه صلى الله عليه وآله كان على خلق عظيم كما أكدت ذلك سورة القلم { وإنك لعلى خلق عظيم } ويؤكد ذلك أمور هي : وقوع هذه العبارة (وإنك لعلى خلق عظيم ) جواب لقسم الله تعالى {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ{1} مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ{2} وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ{3} وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ{4} سورة القلم ، ثم جاءت بعد ذلك إنَّ المؤكدة المتصلة بكاف الخطاب التشريفي والتنويهي على عظمة شأن المخاطب ، ثم دخلت اللام المؤكدة على حرف الاستعلاء لتبين الشأنية العالية والعظيمة ولهذا كله قال الله تعالى مخاطبا الناس كل الناس بلسان محمد صلى الله عليه وآله وموجبا عليهم إتباعه : {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }آل عمران31
وخاطبهم بضرورة إتخاذه صلى الله عليه وآله أسوة : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }الأحزاب21
قال الواحدي : الفظ : الغليظ الجانب السيء الخُلُق ، وأصله فظظ وأما الفض بالضاد فهو تفريق الشيء ، وأنفض القوم تفرقوا ؛ قال الله تعالى : {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }الجمعة11
ومنه فضضت الكتاب ويقال أيضا للمتحدث إذا كان كلامه حسنا جميلا : لا فض الله فاك ، أو لا فض فوك.
فالفظ بالظاء : سيء الخلق
والفض بالضاد : تفريق الشيء
وأما غليظ القلب : فهو الذي لا يتأثر قلبه عن شيء ، فقد لا يكون الانسان سيء الخلق ولا يؤذي أحدا ولكنه لا يرق لهم ولا يرحمهم .
ماهي العلاقة بين الفظ غليظ القلب وبين الإنفضاض والتفرق وعدم الإجتماع حول النبي صلى الله عليه وآله ؟
أجيب عن هذا السؤال : بأن المقصود من البعثة أن يُبلِّغ الرسول صلى الله عليه وآله تكاليف الله الى الخلق .
ولكن هذا الجواب غير تام ألا إذا مالت إليه قلوب الناس وسكنت نفوسهم لديه ، كذلك لا يتم هذا المعنى إلا إذا كان الرسول رحيما كريما ، يتجاوز عن ذنبهم ويغفر لهم ويعفوا عن إساءاتهم ويخصهم بوجوه البر و المرحمة والشفقة ، ولهذه الأسباب وجب أن يكون الرسول صلى الله عليه وآله مبرءاً عن سوء الخًلُق ، وكما يكون كذلك وجب أن يكون غير غليظ القلب ، بل يكون كثير الميل إلى إعانة الضعفاء ، وكثير القيام بإعانة الفقراء ، وكثير الصفح عن زلاتهم ولهذا المعنى قال الله تعالى : {وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} ، ولو أنفضوا من حوله فات المقصود من البعثة والرسالة ولهذا أمره الله تعالى في ذيل الآية بأن يعفو عنهم فيما يختص بحقه صلى الله عليه وآله وأن يستغفر لهم فيما يتعلق بحق الله تعالى.
إن الآية الكريمة دلة على وجوب العفو عنهم : { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} أي العفو عن الأمة بالمعنى المذكور أعلاه ولكن لما آل الأمر الى الأمة لم يوجب الله تعالى العفو عليهم عن بعضهم البعض بقوله : {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }آل عمران134
وكيف ما كان فإن الآية المباركة : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }آل عمران159 ، تدل دلالة واضحة على أن من أهم قواعد وأصول تبليغ هذا الدين القيم ، هو التحلي بهذا الخُلُق الإلهي الرفيع ، لأن الناس في حاجة الى كنف رحيم ، والى رعاية فائقة ، والى بشاشة سمحة ، والى ود يسعهم ، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم ، في حاجة الى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم الى عطاء ، ويحمل همومهم ولا يعنيهم بهمه ، ويجدون عنده دائما الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضا ... وهكذا كان قلب محمد صلى الله عليه وآله وهكذا كانت حياته مع الناس ، ما غضب لنفسه قط ولا ضاق صدره لضعفهم البشري ، ولا احتجز لنفسه شيئا من أعراض هذه الحياة ، بل أعطاهم كل ما ملكت يداه في سماحة ندية ، ووسعهم حلمه وبره وعطفه ووده الكريم ولهذا كله قال عنه القرآن الكريم واصفا لأخلاقه العالية : {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }القلم4 ، ومن هنا يتضح أهمية ما أثنى به القرآن الكريم على سيد الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وآله . فالخلق العظيم : هو الخلق الاكرم في نوع الاخلاق ، وهو البالغ أشد الكمال المحمود في طبع الإنسان وهو أرفع من مطلق الخُلُق الحسن وأعلى منه مستوى وحقيقة .
قال الرازي : إنما وصف خلقه بأنه عظيم وذلك لانه تعالى قال له : {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ }الأنعام90
وهذا الهدى الذي أمر الله تعالى محمدا صلى الله عليه وآله الاقتداء به هو ليس معرفة الله ، لأن ذلك تقليد وهو غير لا ئق بالرسول ، وليس هو الشرائع لأن شريعته مخالفة لشرائعهم ، فتعين أن يكون المراد منه أمره عليه الصلاة والسلام بأن يقتدي بكل واحد من الأنبياء المتقدمين فيما اختص به من الخُلُق الكريم ، فكأن كل واحد منهم كان مختصا بنوع واحد من الاخلاق ، فلما أمر الله محمد صلى الله عليه وآله بأن يقتدي بالكل فكأنه أمر بمجموع ما كان متفرقا فيهم وبينهم من الأخلاق، ولما كان ذلك درجة عالية لم تتيسر لأحد من الأنبياء قبله ، لاجرم وصف الله خلقه بأنه عظيم ، وفي البيان الإلهي دقة اخرى وهي قوله : { لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } فإن كلمة على للاستعلاء فدل اللفظ على أنه مستعل على هذه الاخلاق ومستول عليها ، أنه بالنسبة الى هذه الأخلاق الجميلة كالمولى بالنسبة الى العبد وكالامير بالنسبة الى المأمور .
لقد تكرر مثل هذا الاسلوب الإستعلائي في كلامه وخطابه سبحانه وتعالى لمحمد صلى الله عليه وىله و في مقامات مختلفة فوصفه تعالى بقوله : {إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ }الحج67
وقال له : {إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ }النمل79
وقال له : {إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }الزخرف43
ولهذا كله قيل في وصف محمد صلى الله عليه وآله : يعجز كل قلم ويعجز كل تصور عن وصف قيمة هذه الكلمة العظيمة من رب العالمين ، وهي شهادة من الله ، وفي ميزان الله ، لعبد الله ، يقول فيها :
{وإنك لعلى خلق عظيم} ومدلول الخلق العظيم هو ما هو عند الله مما لا يبلغ الى إدراك مداه احد من العالمين.
ودلالة هذه الكلمة على عظمة محمد صلى الله عليه وآله تبرز من نواح شتى :
أولا ـ تبرز من كونها كلمة من الله الكبير المتعال : يسجلها ضمير الكون ، وتثبت في كيانه ، وتتردد في الملأ الاعلى الى ما شاء الله
ثانيا ـ وتبرز من جانب آخر ، من جانب إطاقة محمد صلى الله عليه وآله لتلقيها وهو يعلم من ربه هذا ، قائل هذه الكلمة ماهو ؟ ما عظمته ؟ ما دلالة كلماته ؟ ما مداها ؟ ما صداها ؟ ويعلم من هو الى جانب هذه العظمة المطلقة التي يدرك هو منها ما لا يدركه احد من العالمين . وحين سئلت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وآله قالت : إن خلقه القرآن ، ولما كان القرآن عظيما كما جاء في قوله تعالى :
{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ }الحجر87 ، يثبت أنه صلى الله عليه وآله كان على خلق عظيم كما أكدت ذلك سورة القلم { وإنك لعلى خلق عظيم } ويؤكد ذلك أمور هي : وقوع هذه العبارة (وإنك لعلى خلق عظيم ) جواب لقسم الله تعالى {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ{1} مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ{2} وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ{3} وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ{4} سورة القلم ، ثم جاءت بعد ذلك إنَّ المؤكدة المتصلة بكاف الخطاب التشريفي والتنويهي على عظمة شأن المخاطب ، ثم دخلت اللام المؤكدة على حرف الاستعلاء لتبين الشأنية العالية والعظيمة ولهذا كله قال الله تعالى مخاطبا الناس كل الناس بلسان محمد صلى الله عليه وآله وموجبا عليهم إتباعه : {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }آل عمران31
وخاطبهم بضرورة إتخاذه صلى الله عليه وآله أسوة : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }الأحزاب21
الخميس مايو 26, 2011 3:30 pm من طرف mohsan
» أهمية البابونج
الأربعاء مايو 18, 2011 2:46 am من طرف الشروق
» فوائد الزنجبيل
الثلاثاء مايو 17, 2011 1:59 am من طرف الشروق
» تعريف المرض على لسان الدكتور محمد الهاشمي
الإثنين مايو 16, 2011 12:53 pm من طرف همس الحنين \ صحبة المنتدى
» سجل دخولك بصورة أنمي!!!
الأحد مايو 15, 2011 3:23 pm من طرف همس الحنين \ صحبة المنتدى
» حالة شفاء
الأحد مايو 15, 2011 3:15 pm من طرف همس الحنين \ صحبة المنتدى
» خالة شفاء
الجمعة مايو 13, 2011 9:12 am من طرف الشروق
» حب الرشاد
الخميس مايو 12, 2011 9:09 am من طرف الشروق
» حالة شفاء لمركز الهاشمى من فيرس سى
الأربعاء مايو 11, 2011 9:39 am من طرف الشروق